سورة التكوير - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التكوير)


        


{إذا الشّمس كُوِّرَتْ} ذهب بضوئها من كورت العمامة إذا لفقتها أي يلف ضوءها لفاً فيذهب انبساطه وانتشاره في الآفاق. وارتفاع {الشمس} بالفاعلية ورافعها فعل مضمر يفسره {كورت} لأن (إذا) يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط {وإذا النّجوم انكدرت} تساقطت {وإذا الجبال سُيِّرَت} عن وجه الأرض وأبعدت أو سيرت في الجو تسيير السحاب {وإذا العشارُ} جمع عشراء وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر، ثم هو اسمها إلى أن تضع لتمام السنة {عُطِّلَتْ} أهملت عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم وكانوا يحبسونها إذا بلغت هذه الحالة لعزتها عندهم ويعطلون ما دونها. {عطلت} بالتخفيف عن اليزيدي {وإذا الوُحُوشُ حُشِرَتْ} جمعت من كل ناحية. قال قتادة: يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص فإذا قضى بينها ردت أتراباً فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم كالطاوس ونحوه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: حشرها موتها. يقال: إذا أجحفت السنة بالناس وأموالهم حشرتم السنة.
{وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ} {سُجّرَتْ} مكي وبصري من سجر التنور إذا ملأه بالحطب أي ملئت، وفجر بعضاً إلى بعض حتى تعود بحراً واحداً. وقيل: ملئت نيراناً لتعذيب أهل النار {وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ} قرنت كل نفس بشكلها الصالح مع الصالح في الجنة والطالح مع الطالح في النار، أو قرنت الأرواح بالأجساد، أو بكتبها وأعمالها، أو نفوس المؤمنين بالحور العين ونفوس الكافرين بالشياطين {وَإِذَا الموءودة} المدفونة حية، وكانت العرب تئد البنات خشية الإملاق وخوف الاسترقاق {سُئِلَتْ} سؤال تلطف لتقول بلا ذنب قتلت، أو لتدل على قاتلها، أو هو توبيخ لقاتلها بصرف الخطاب عنه كقوله: {أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116] الآية {بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} وبالتشديد: يزيد. وفيه دليل على أن أطفال المشركين لا يعذبون، وعلى أن التعذيب لا يكون بلا ذنب {وَإِذَا الصحف نُشِرَتْ} {فُتِحَتْ} وبالتخفيف: مدني وشامي وعاصم وسهل ويعقوب. والمراد صحف الأعمال تطوى صحيفة الإنسان عند موته ثم تنشر إذا حوسب، ويجوز أن يراد نشرت بين أصحابها أي فرقت بينهم {وَإِذَا السماء كُشِطَتْ} قال الزجاج: قلعت كما يقلع السقف {وَإِذَا الجحيم سُعِّرَتْ} أوقدت إيقاداً شديداً. بالتشديد: شامي ومدني وعاصم غير حماد ويحيى للمبالغة {وَإِذَا الجنة أُزْلِفَتْ} أدنيت من المتقين كقوله: {وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق: 31]. فهذه اثنتا عشرة خصلة ست منها في الدنيا والباقية في الآخرة. ولا وقف مطلقاً من أول السورة إلى {مَّا أَحْضَرَتْ} لأن عامل النصب في {إِذَا الشمس} وفيما عطف عليه جوابها وهو {عَلِمَتْ نَفْسٌ} أي كل نفس ولضرورة انقطاع النفس على كل آية جوز الوقف {مَّا أَحْضَرَتْ} من خير وشر.
{فَلاَ أُقْسِمُ} (لا) زائدة {بالخنس} بالرواجع بينا ترى النجم في آخر البرج إذ كرّ راجعاً إلى أوله {الجوار} السيارة {الكنس} الغيب من كنس الوحش إذا دخل كناسه. قيل: هي الدراري الخمسة: بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشتري، تجري مع الشمس والقمر وترجع حتى تختفي تحت ضوء الشمس، فخنوسها رجوعها وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس. وقيل: هي جميع الكواكب {واليل إِذَا عَسْعَسَ} أقبل بظلامه أو أدبر فهو من الأضداد.
{والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} امتد ضوءه. ولما كان إقبال الصبح يلازمه الروح والنسيم جعل ذلك نفساً له مجازاً وجواب القسم {إِنَّهُ} أي القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ} أي جبريل عليه السلام. وإنما أضيف القرآن إليه لأنه هو الذي نزل به {كَرِيمٍ} عند ربه {ذِى قُوَّةٍ} قدرة على ما يكلف لا يعجز عنه ولا يضعف {عِندَ ذِى العرش} عند الله {مَّكِينٍ} ذي جاه ومنزلة. ولما كانت على حال المكانة على حسب حال المكين قال: {عِندَ ذِى العرش} ليدل على عظم منزلته ومكانته {مطاع ثَمَّ} أي في السماوات يطيعه من فيها أو عند ذي العرش أي عند الله يطيعه ملائكته المقربون يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه {أَمِينٍ} على الوحي {وَمَا صاحبكم} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {بِمَجْنُونٍ} كما تزعم الكفرة وهو عطف على جواب القسم.
{وَلَقَدْ رَءَاهُ} رأى محمد جبريل عليهما السلام على صورته {بالأفق المبين} بمطلع الشمس {وَمَا هُوَ عَلَى الغيب} وما محمد على الوحي {بِضَنِينٍ} ببخيل من الضن وهو البخل أي لا يبخل بالوحي كما يبخل الكهان رغبة في الحلوان بل يعلمه كما علم ولا يكتم شيئاً مما علم. {بظنين} مكي وأبو عمرو وعلي أي بمتهم فينقص شيئاً مما أوحي إليه أو يزيد فيه من الظنة وهي التهمة {وَمَا هُوَ} وما القرآن {بِقَوْلِ شيطان رَّجِيمٍ} طريد وهو كقوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} [الشعراء: 210]. أي ليس هو بقول بعض المسترقة للسمع وبوحيهم إلى أوليائهم من الكهنة {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} استضلال لهم كما يقال لتارك الجادة اعتسافاً أو ذهاباً في بنيات الطريق أي تذهب؟. مثلت حالهم بحاله في تركهم الحق وعدو لهم عنه إلى الباطل. وقال الزجاج: معناه فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم؟ وقال الجنيد: فأين تذهبون عنا وإن من شيء إلا عندنا {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين} ما القرآن إلا عظة للخلق {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ} بدل من {العالمين} {أَن يَسْتَقِيمَ} أي القرآن ذكر لمن شاء الاستقامة يعني أن الذين شاؤوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر فكأنه لم يوعظ به غيرهم وإن كانوا موعوظين جميعاً {وَمَا تَشَاءُونَ} الاستقامة {إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله رَبُّ العالمين} مالك الخلق أجمعين.